الجمعة، 24 يونيو 2011


الفوضى المنظمة

سأضرب هنا تشبيها مفضلا لديّ:
أنا أمسك صندوقا يحتوى على عدد من الكرات الزجاجيّة، التي تقتنع تمام
الاقتناع أنّها حرّة!
أهزّ أنا الصندوق عشوائيّا، فتتصادم الكرات وتندفع في كلّ اتجاه بلا هدف..
 
هذه بالنسبة لها ذروة الحرّيّة.. فهي لا ترى أنّ هناك من يحدّد لها حركتها!
 
وهذا هو ما أسميه الفوضى المنظمة!
 
وهو ما يحدث لنا جميعا في مجتمعاتنا.. وهو في أجلى صوره في الغرب!
 
حيث كلّ كرة زجاجيّة هناك منبهرة بسرعتها وحرّيّة حركتها..  لتستمرّ
في التصادمات هنا وهناك.. فتضيع حياتها في مشاكل وآلام.. لكنّها أبدا لا تعرف سبب
هذا!
 
هذا بالضبط ما أحاربه: الفوضى المنظمة التي أسموها لنا
"حرّيّة"..
وهي عندهم فوق الأديان..
فوق الفطرة..
فوق قيم المجتمع..
 
(ولكنّها تخضع للقانون الوضعيّ لأنّهم واضعوه ومنفذوه والمستفيدون منه!!..
لذلك يهمهم إخضاع الناس له، في مقابل تدمير سلطة رجال الدين وسلطة الأسرة وسلطة
المجتمع!!)
 
وتلازم هذه الحرّيّة تلازما تاما فكرة المساواة.. وهي من نفس عائلة الفوضى
المنظّمة.. فلكي يتساوى الجميع يجب أن يترّك كلّ إنسان موقعه (وفي الغالب يكون
التساوي عند الحد الأدنى.. لأنّك لا تستطيع رفع الجميع إلى أعلى!!).. أيّ نظام
يبقى بعد هذا؟!!
 
وهكذا ينبهر المغفلون بشعارات الحرّيّة والمساواة، فيضطرب النظام الأكبر
الذي يحويهم، ولا يحصلون في النهاية إلا على التعاسة والتفكك والوحدة!
 
ليس غريبا إذن أن يتفوّق الغرب في نسب الأمراض النفسيّة والاكتئاب والجنون
والانتحار!.. فاحتياج الإنسان لتقدير واحترام الآخرين لتصرفاته وتعاطفهم مع
أحلامه، أهمّ مليون مرّة من حصوله على حرّيّة الفعل الذي يعود عليه بالازدراء أو
بالتجاهل.. حيث يبقيان بعد أن تذهب لذة التمرّد!!
 
(لهذا فإنّ امرأة عاديّة تؤدّي دورها التقليديّ في إطار من احترام الأهل
والمجتمع، هي أكثر استقرارا ورضا من امرأة تحارب الجميع من أجل أن تتبوّأ أعلى
المناصب أو تفعل ما تريد كما تريد.. لأنّ شيئا ما بالنسبة لها سيظلّ ناقصا دائما
وأبدا!)
في ضوء هذا أنا أضع العدل ضدّ الحرّيّة..
لأنّ العدل يمنحك الرضا والارتياح... وبالتالي تنتفى لديك أيّة أحاسيس
بالقهر أو الظلم أو القيد... وهذه هي ذروة ((الحرّيّة))..
 
كما أنّ العدل يستند إلى الشرع والعرف والقانون.. أمّا الحرّيّة فتستند إلى
الجموح والانطلاق.. وسهل أن تتحوّل في أيّ لحظة إلى فوضى وهمجيّة!
 
ناهيك عن أنّ الحرّيّة بمعانيها المستهلكة إعلاميّا وفكريا، هي وهم
أسطوريّ، يجعل الإنسان يحارب المنظومة التي تحويه، ويمزّق روابطها (لأنّه يراها
تقيده) في حين أنّها أيضا تغذيه بالحياة وتجعل لها هدفا.
 
وفي النهاية ينكسر هذا المخلوق البائس.. لو لم يكن على يد عشرات
(الأحرار)  ممن تسوءهم حريته لأنّها ضدّ حريتهم أو معتقداتهم.. فعلى يد ضعفه
الداخليّ في مواجهة قوانين الحياة القاهرة: الجسديّة منها والنفسيّة والاجتماعيّة
والفيزيائيّة والقانونيّة و... و.....
 
أعتقد أنّ هذه نقطة جيدة للكلام عن الفارق الكبير بين "الحرية"
و"الشعور بالحرية"!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق